تعاني إثيوبيا من صراعات محلية كثيرة ، تدور غالبًا على خلفيات إثنية ، منذ سقوط تحالف ” الجبهة الثورية الديمقراطية لشعوب إثيوبيا ” ، تتصدره جبهة تحرير تيغراي ، عراب الإئتلاف السابق ( 1991 -2018 ) ، قبل أن تطيح بها مظاهرات شعبية نظمها شباب في إقليمي أوروميا وأمهرة ، وتبدأ مرحلة جديدة بتولى آبي أحمد ، رئاسة الوزراء بالبلاد عام 2018 ، بعد ثلاثة عقود من حكم التيغراي .
ومنذ سنوات تشهد البلاد إهتزازات متفاوتة من وقت لآخر على المستوى الأمني والعسكري راح ضحيتها ولا يزال الآلاف من المواطنين والمئات من العسكريين ونزح الملايين ، جراء صراعات مناطقية تطورت الى مواجهات عسكرية مسلحة مع الحكومة المركزية ، كما كان لذات الإهتزازات تاثيرات واضحة على السياسة والإقتصاد بعد أن كانت البلاد تعد من الدول الصاعدة اقتصاديا .
أوروميا أخطر الإهتزازات
ولعل أبرز وأخطر هذه الإهتزازات الأمنية ما يشهده ولا يزال إقليم أوروميا أكبر أقاليم البلاد مساحة وسكان منذ أكثر من ستة سنوات ، جراء أعمال عنف و تفلتات أمنية من قبل جماعة جيش تحرير أورومو المعروف لدى السلطات ” بأونق شيني ” ، والتي جعلت من مناطق واسعة غربي إقليم أروميا مرتعا لها ومجالات تحركاتها المسلحة ، في عمليات خطف ومهاجمة القرى والمدن المتاخمة لمواقع تواجدها غربي جنوب إثيوبيا ، مستهدفة في أغلبها أغليات الأمهرة التي تقطن في الإقليم .
ويشهد الإقليم مواجهات مسلحة بين الحكومة وجيش جبهة تحرير أورومو (اونق شني ) ، صنفتها أديس أبابا مايو 2021 ، بالإرهابية بعد مصادقة البرلمان على مشروع مجلس الوزراء بتصنيف جماعة “أونق شني” منظمة إرهابية ، وتعد مواحهات الحكومة وأونق شني الأصعب في إثيوبيا ، حيث تنطلق الجماعة من قاعدة تمثل أكبر قوميات البلاد ، وتتمركز في مناطق واسعة ومتداخلة مع أقاليم أخرى بينها أمهرة وبني شنقول والصومال وغامبيلا ، مما شكل تحديا لسلطات الأقاليم والحكومة الفيدرالية على حد سواء .
صراع كلف الحكومة أثمان باهظة ، وعطل عجلة التنمية في مناطق واسعة بالإقليم الأكبر في البلاد ، بجانب قتلى وجرحى ونازحين ، ونهب الممتلكات وتحطيم المؤسسات الحكومية ، ويقدر عدد النازحين أكثر من 2 مليون نازح غربي البلاد ، كما تاثر إقليم الجنوب
أونق شني النشأة والتكوين
ويقاتل جيش تحرير أورومو الحكومة الفدرالية الإثيوبية منذ انشقاقه عام 2018 عن جبهة تحرير أورومو، تزامنا مع تخليها عن الكفاح المسلح ، وتشكل جناح جيش تحرير أورومو ، بقيادة “كومسا دريبا” المعروف بـ “جال ميرو”، إثر الخلاف مع زعيم الجبهة “داؤود ابسا” ، حيث اتخذ مقاتلو الجماعة جنوب غرب أوروميا قاعدة لعملياتهم في منطقة غرب “غوجي”، وأربعة مناطق أخرى في الإقليم هي “وللغا”، “قلم”، و”هورو غودور” شرق وغرب ، قبل أن تتسع قاعدة عملياتهم لمناطق بالاقاليم المجاورة .
ويقول المحلل السياسي الإثيوبي ـ محمد أمان ، إن التقديرات تشير إلى أن جيش تحرير أورومو كان يعدّ آلاف العناصر عام 2018، لكن ازداد بشكل كبير بعد عامين من اندلاع المواجهات مع الحكومة ، وأضاف أن الحركة المسلحة تعاني من عدم تنظيم وغير مسلحة بصورة جيدة بما يكفي ليمثل تهديدًا جديا للسلطة الفدرالية .
وإستدرك أمأن ، بالقول ،، وإن كان يمثل تهديدا للاستقرار بالمناطق التي يتحرك فيها ، وتساعده في ذلك طبيعة المنطقة المغطى بالغابات ، وفق تعبيره .
وتتمركز عناصر ” أونق شيني ” أيضا في مناطق حول مدينة “نقمتي” بإقليم أوروميا، وتتهمها حكومة الإقليم بتنفيذ أعمال قتل من وقت لآخر بالمنطقة، راح ضحيتها مدنيون ورجال شرطة ، كما تتهم الحكومة الإثيوبية بعض شركائها السابقين بالتعاون مع الجماعة المعارضة المسلحة، فضلا عن أن مقاتلي “أونق شني” أصبحوا محل استقطاب لبعض مناوئ ومعارضي حكومة آبي أحمد، إلا ان الجماعة تنفي ذلك .
اعمال عنف وفرض ضرائب
وفي ذات السياق يقول الباحث الإثيوبي ، سراج آدم ، إن الجماعة بعد أن اتخذت غابات أوروميا مقرا لعملياتها ضد الحكومة ومن يعارضها في إقليم أوروميا، تورطت في أعمال عنف وهجمات على مدنيين وعمليات سرقة لنحو عشرات البنوك الحكومية واغتيالات لمسؤولين بالإقليم وخاصًة في مناطق غرب وليغا وقيليم وليغا وهورو غودور بإقليم أوروميا .
وأشار آدم ، في إفادة لموقع أفريكان ميترس ، أن جماعة “أونق شني” تمول هجماتها وعملياتها ضد الحكومة من خلال النهب وإجبار المواطنين على توفير المال لها بزعم “الكفاح ضد حكومة مناوئة لشعب أوروميا ، وأضاف أنهم ينفذون عمليات نهب وسلب للمواقع الحكومية وفرض ضرائب على المواطنين في مناطق سيطرتها ، فضلا عن عمليات قطع طرق حيوية .
ولفت ، الى أن الجماعة تستهدف بطريقة ممنهجة أقليات الأمهرة داخل إقليم أوروميا والمعروفة بالمناطق الخاصة بصورة متكررة منذ سنوات .
وفي آخر أحداث شهدت منطقة دارا بإقليم أروميا أعمال عنف مستمرة بين ميليشيا فانو وجيش تحرير أورومو ” اونق شني ” من جهة والقوات الحكومية واونق شيني من جهة أخرى ، أدى إلى وقوع خسائر كبيرة في صفوف المدنيين.
ومؤخرًا شهدت المنطقة اختطاف ثلاث حافلات للركاب على متنها نحو 150 طالبا ، قادمين من إقليم أمهرة الى العاصمة أديس أبابا ، تبادل فيها الحكومة واونق شني الاتهامات ، قبل أن تعترف الحكومة الإثيوبية بشكل غير مباشر بحل المشكلة عندما زعمت حكومة أوروميا أنها أمنت إطلاق سراح 160 طالبًا جامعيًا تضاربة المعلومات حول صحة الخطوة .
وكانت الحكومة القت اللوم على اونق شني ، بعد أن أشار بعض الطلاب الذين تمكنوا من الفرار إلى أن من خطفوهم أونق شيني – قبل أن تنفي هي الأخرى وتشير بأصابع الاتهام إلى حزب الازدهار الحاكم في إقليم أوروميا باعتباره السبب وراء ما أسمته “عمليات الاختطاف المنتشرة”.
ويرى الباحث آدم، أن التطورات الداخلية تؤدي إلى مزيد من التحديات الإنسانية وتفاقم الأزمة الإقتصادية وتعزز إنتقادات الأحزاب السياسية ،وأضاف هذا بلا شك يشكل تهديد لمستقبل بقاء حزب الإزدهار الحاكم بإثيوبيا ، وبالتالي يهدد بقاء آبي احمد السياسي في البلاد.
جهود سلام لم تكتمل
وبطبيعة الحال إنعكست تلك الأحداث على الوضع العام في البلاد ، وأثرت على مجريات السياسة الداخلية والخارجية والوضع الإقتصادي ، كما زادت الأوضاع الامنية والعسكرية من الانقسامات والأضرار على كاهل المواطن الإثيوبي من نزوح ولجوء في مناطق النزاع والصراعات غربي إقليم أروميا جنوب غرب البلاد ، وسط جهود حكومية على المستوى الفيدرالي والإقليمي ، من مبادرات وفتح فرص حوار وسلام .
ووسط هذا الجو الملبد بالمخاوف ، كشف رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد ، أواخر ابريل 2023 ، عن بدء مفاوضات سلام مع جماعة متمردة في إقليم أوروميا قائلا : إن “مفاوضات السلام” مع جيش تحرير أورومو “ستبدأ في تنزانيا “، مضيفا أن “الحكومة والشعب الإثيوبيين في أمس الحاجة إلى هذه المفاوضات (…) أدعو الجميع للقيام بدوره”.
وبعد أيام من إعلان آبي أحمد ، جرت الجولة الأولى في تنزانيا ، ولم يتوصل الطرفان الى أي توافقات وقتها ، لتبدأ جولة ثانية في نوفمبر من نفس العام ، هي الأخرى خرجت دون نتيجة بعد إسبوعين من محادثات مغلقة بين الجانبين بهدف إيجاد حل سلمي للتمرد المستمر منذ فترة في أورميا .
وكان مستشار الأمن القومي لرئيس الوزراء الإثيوبي ، رضوان حسين، كشف أن محادثات السلام بين الحكومة وجماعة جيش تحرير أورومو المتمردة انتهت دون التوصل إلى اتفاق ، وأرجع حسين ، الذي أصبح لاحقا مدير جهاز الأمن والإستخبارات القومي ، الفشل إلى “تعنت” مفاوضي المعارضة المسلحة ، قائلا : إن النهج المعرقل والمطالب غير الواقعية للطرف الآخر هما السببان الأساسيان وراء عدم نجاح هذه المحادثات”.
وعلى الرغم من جولتين من المفاوضات بين الحكومة الفيدرالية وجيش تحرير أورومو، ظلت الجهود الرامية إلى إحلال السلام في إقليم أوروميا بعيدة المنال، واستمر عدم الاستقرار في المنطقة ولاتزال التهديدات الأمنية تبارح مكانها .
وأغسطس الماضي ، تعهدت حكومة اقليم أوروميا بمواصلة العمليات العسكرية ضد الجماعات المسلحة ، ضمن خطاب القاه حاكم الإقليم شيمليس عبديسا أمام المجلس الإقليمي، أوضح فيه نهج الحكومة تجاه الأزمة ، قائلا : إن حكومته تظل منفتحة على الحوار السلمي مع الفصائل المعارضة ، لكنه أشار أيضًا إلى أن العمليات العسكرية ستستمر ضد الجماعات المسلحة التي ترفض الانخراط في حل سلمي لإنهاء الأزمة.
ولم يستبعد الباحث الإثيوبي ، أن تتوسع دائرة عمليات الجماعة المسلحة في إقليم أورميا ، وتدخل في مواجهات مع الفانو في إقليم أمهرة ، وقال ليس بعيدا في ظل التوترات الأمنية في شمال البلاد والتجاذبات في غرب وجنوب إقليم أوروميا أن تنشب صراعات عرقية وهو ما يفتح الباب الى انفلات أمني واسع يسمح بتدخل تلك الجماعات المسلحة هنا وهناك ، مما يزيد رقعة المواجهات وترتفع بالتالي كلفة الأوضاع الامنية والتحديات السياسية والإقتصادية ، وتتراجع بالتالي قدرة الحزب الحاكم.