تشهد جمهورية تشاد في الأسابيع الأخيرة مظاهرات تندِّد بالوجود الفرنسي في البلاد، ذلك في ظل استمرار دعم فرنسا لنظام الحكم العسكري التشادي.
وشهدت عدّة مدن وبلدات تشادية، هذا الأسبوع، موجة احتجاجات واسعة رافضة للنفوذ الفرنسي في البلاد.. وذلك استجابة لدعوات كان قد عممها ائتلاف “وقيت تما” (حان الوقت) المعارض، للخروج بغرض استنكار مساندة فرنسا للمجلس العسكري الانتقالي الذي تقلّد السلطة بعد اغتيال الرئيس إدريس ديبي على يد متمردين في أبريل عام 2021.
وقمعت قوات الأمن التشادية المظاهرات بالغاز المسيل للدموع ومدافع المياه، فيما أحرق المحتجون الأعلام الفرنسية وهاجموا فروع محطات الوقود التابعة لشركة توتال الفرنسية معتبرين أنها رمز لاستمرار الاستعمار الفرنسي.
وهاجم محتجون قاعدة عسكرية للقوات الفرنسية في أبشي، أقصى شرق البلاد، وحطموا نصباً تذكارياً كان بداخلها.
وتعيش تشاد صراعاً على السلطة بين المجلس العسكري برئاسة محمد ديبي المدعوم من فرنسا، وفصائل معارضة مسلحة ومدنية، ترى في حكم ديبي استمراراً للاستعمار الفرنسي للبلاد.
وخضعت تشاد للاستعمار الفرنسي المباشر في العام ١٩٢٠ حتى نالت استقلالها في العام ١٩٦٠، قبل أن تشهد البلاد حرباً أهلية بلغت ذروتها بين عامي ١٩٧٩ حتى العام ١٩٨٢.
حيث تشكَّلت منذ الاستقلال مجموعات عسكرية وفصائل معارضة ضد الحكومة الخاضعة للنفوذ الفرنسي.. تركز معظمها في المناطق الشمالية من البلاد.
ورغم تمكن “حركة الإنقاذ الوطني” من إقصاء حكومة حسن حبري الموالية لفرنسا، وتشكيل حكومة جديدة برئاسة إدريس ديبي في ديسمبر ١٩٩٠، فإن ديبي سرعان ما جمع بين التفرُّد في السلطة والخضوع للهيمنة الفرنسية، حيث استمر في الحكم إلى حين اغتياله في أبريل ٢٠٢١، ليرث نجله سلطته مُشكِّلاً مجلساً عسكرياً منحه سلطات منفردة في حكم البلاد.
https://africanmatters.net/?p=3672
ومنذ تولي محمد إدريس ديبي للسلطة تعيش البلاد حالة من الاضطراب والصراع جرّاء المعارضة الواسعة الرافضة لسلطته، وسياساته في إخضاع البلاد للهيمنة الفرنسية.
ويذكر أيضاً أن الجيش التشادي يُشارك على نحو نشط في العمليات الفرنسية في العديد من الدول المجاورة، أبرزها مشاركته بأكثر من ١٥٠٠ جندي ضمن العملية العسكرية الفرنسية في مالي.
وتنشر فرنسا 5 آلاف و100 عنصر من قوات عمليات “برخان” في منطقة الساحل التشادي، وتتخذ من نجامينا العاصمة التشادية مركز قيادة لها في المنطقة.
ورغم وجود ثروة نفطية في البلاد فإن الواقع المعيشي للسكان بالغ التردي، فقد بلغت نسبة السكان الواقعين تحت خط الفقر حوالى ٨٦٪ من سكان البلاد، بينهم حوالى ٦٣٪ من السكان يعيشون حالة من الفقر المدقع.
وتُهيمن مجموعة من الشركات الأجنبية على ثروات البلاد، حيث تسيطر إكسون موبيل (Exxonmobil) وغلينكور (Glencore) على قطاع استخراج النفط، وشركة توتال الفرنسية على توزيع المشتقات النفطية، فيما انضمت شركة (Cnpcic) الصينية مؤخرًا كمنافس لهذه الشركات.
ورغم انخراط الفصائل التشادية المعارضة في مفاوضات مع المجلس العسكري التشادي، تبدو آفاق الحل السياسي في البلاد بعيدة، وكذلك تبدو ملامح الخروج من دوائر الهيمنة الفرنسية المتغلغلة في البلاد لا تقل صعوبة، ذلك في ظل خضوع النخب السياسية التشادية تاريخيًا للتأثير الفرنسي، وهو ما تُنادي معظم التحركات الجماهيرية بالتخلّص منه.