تجيء القمة الأمريكية الإفريقية التي تعقدها أمريكا في واشنطون كواحدة من حلقات التكالب الاستعماري على إفريقيا والمنطقة العربية، وهي ليست رداً على القمة العربية الصينية الأولى التي عُقدت في الرياض قبل أيام فحسب، إنما تجيء كمحاولة لتنظيم “خلوة شرعية” مع البلدان التي بدأت “تنشز ” وتقيم علاقة مع “آخر” في ظل تحوّلات جيوسياسية وجيو إستراتيجية في المنطقة، فهي وقمة الصين وتسربات روسيا إلى بلداننا أشبه بما حدث قبل نهاية القرن التاسع عشر عندما احتدمت المنافسة الاستعمارية بين الدول الكبرى، بعد تسارع كل منها في اقتطاع جزء من أراضينا (العربية والإفريقية) فعقدوا مؤتمر برلين (منتصف نوفمبر 1884- نهاية فبراير 1885) لتقسيم القارة الإفريقية والبلدان العربية عليهم، وكان أشبه باجتماع لرؤساء عصابات وقطاع طرق ولصوص كما تبدو بنوده التي أعلنوها في تبجح وازدراء، والآن تعمل أمريكا على مواجهة التحوّلات العربية الإفريقية إلى الشرق (روسيا والصين)، اللتان تحظيان بنظرة إيجابية من المنطقة من ناحية المساعدة في التنمية الحقيقية (الصين)، المساعدة في التخلص من الاحتلال الأوربي منتصف القرن العشرين (روسيا)، “فضلاً عن الخطاب الأخلاقي الملتزم للشرق والعاكس لخطاب الغرب (أمريكا وأوربا) الانحلالي شعبي ورسمي”.
والحقيقة لم يعد هنالك ما تستطيع أمريكا أن تقدّمه إلى العرب وإفريقيا بعد “البنطلون الجينز وأفلام هوليود والمواقع الإباحية ونشر الخطاب الانحلالي (شذوذ ومثلية وحق المنحلات في الإجهاض”) وقبل كل ذلك استنزاف موارد المنطقة وأسر قرارها السيادي بتعيين العملاء حكاماً والمرتشين وزراء، ورهن كل القرارات الداخلية بمعونات وهمية تعود في حقيقتها إلى خزينتها مرة أخرى في صورة رواتب باهظة لمن أرسلتهم كموظفين في مشروعات هذه المعونات وأجهزة ومعدات تلتزم الدول المعنية بشرائها، فهل تستطيع أمريكا أن تعيد إنتاج “النظرة العامة” المبجلة لها في أعين شعوبنا بهذه المليارات ال55 التي وعدت بتقديمها كمعونات على مدى ثلاث سنوات؟ ولماذا لم تعلن خطة ضغط لتنفيذ الدول الكبرى تعهداتها بتقديم 100 مليار دولار سنوياً للدول المتضررة من التغيرات المناخية والتي أعلن عنها في مؤتمري المناخ الأخيرين (باريس وشرم الشيخ) وشعوبنا أكبر المتضررين من انبعاثات أمريكا والدول الأوربية، وأصيبت بلداننا بالجفاف والتصحر… تراوغ الولايات المتحدة الآن الدول الإفريقية بدعمها لانضمام الاتحاد الإفريقي لمجموعة العشرين وبمقعد دائم في مجلس الأمن، والعمل على تسوية نزاعات القارة الداخلية (إثيوبيا والكونغو وجنوب السودان) والإقليمية (أزمة سد النهضة) والكساد المالي، لكنها أعلنت استثناء دول عدة من “خلوتها الشرعية” مثل السودان ومالي وبوركينا فاسو كتهديد للآخرين بالقطع والحرمان (على الطريقة الكنسية في العصور الوسطى) وهو في تقديري إبعاد للسودان الذي استجاب قادته لرغبة (الثلاثي) في التحوّل وإنهاء العسكرة، وهو الإبعاد الذي يفقد مصر المساندة في ملف أزمة السد التي لا بد أن يستغل الرئيس السيسي الحدث لإثارته والحصول على ضمانات للتقدّم فيه، وإبعاد مالي وبوركينا هو تهديد مباشر للنيجر والجزائر وتشاد وإفريقيا الوسطى وغيرها من الدول التي أطاحت الوجود الأوربي ورحبت بعودة الروس واستراحت وتفاعلت مع الوجود الصيني، والسؤال: هل ستنجح هذه القمة؟ ومن أي جانب، الأفارقة أم الأمريكان؟ في تقديري أنها لن تنجح؛ لأن التحوّلات الجيو إستراتيجية في العالم سبقت محاولة أمريكا التي تأخرت في عقد هذه “الخلوة” الشرعية الثانية ثماني سنوات (القمة الأولى كانت 2014) وفيها أيضاً لم تستطِع معالجة بعض الملفات وأيضاً منعت بعض الدول من الحضور مثل زيمبابوي وإفريقيا الوسطى، وأيضاً كما الآن السودان وإريتريا، ولم يحضرها الرئيس السيسي بعد أن دعته أميركا، ولم تقدم فيها للدول المشاركة سوى فتات الموائد وصور زعمائها مع الرئيس الأميركي وبعض التحليات الإعلامية، الآن وقدت بدت هشاشة أمريكا وضعفها بعد خوارها اقتصادياً وسياسياً وإستراتيحياً في أزمة حرب أوكرانيا وانحلال قدرتها على التوجيه في عدة دول في المنطقة، وتبخرها في سماء السعودية وعلى يد ولي العهد محمد بن سلمان بدعم الدول العربية، وانكشاف قدرتها العسكرية الحقيقية بهزائم مذلة في أفغانستان والعراق وقبلها في الصومال وقبلها في فيتنام، وتوجسها المعلن من الصين في بحر الصين الجنوبي وباب المندب وإفريقيا.. على الأفارقة الآن أن يستفيدون من هذه الهشاشة وهذا الضعف بتعديل أوضاع إقليمية لم تفقد أمريكا قدرتها الكاملة فيها، ويمكن أن تسهم في بعض الإيجابيات ومنها سد النهضة وأوضاع الداخل في ليبيا وإريتريا والسودان شمالاً وجنوباً وغيرها من دول الأزمات، والأهم هو سحب الغطاء عن الجماعات الإرهابية في بعض الدول العربية ودول الساحل والصحراء والتوقف عن دعمها ورعايتها ورعاية عصابات تهريب المخدرات والسلاح والبشر.
Trending
- الحكومة الجديدة الموازية.. جدل حول نزع الشرعية من حكومة الجيش السوداني
- جنوب السودان :اطباء بلاحدود تجمد انشطتها في “ياي” بعد تعرض موظفيها لاستهداف مسلح
- جنوب السودان: مقتل شخص واحد وجرح (8) في هجوم مسلح على احدى البصات السفرية جنوبي العاصمة
- “بايدن” و “بن زايد” وجهاً لوجه.. اتفاق أمريكي إماراتي على رفض الحل العسكري لأزمة السودان
- جبهة تحرير تيغراي ..من إتون الحرب إلى جحيم الصراعات الداخلية
- برلمان جنوب السودان يطالب الحكومة بجدول زمني صارم لتنفيذ اتفاق السلام المنشط
- خيار التصدير عبر “جيبوتي”.. نفط ” الجنوب” يتدفق بعيداً عن السودان
- حظر توريد السلاح إلى السودان.. قرار مجلس الأمن الدولى تحت المجهر