تقف البلاد علي حافةِ الهاوية ، في مهبِ الرياح الهُوج ،و باتت النار بالعودين تُذكي ، ليستعر الخلاف بين أطراف المكون العسكري الحاكم ، و هو آخر حلقة في ملف علاقات بدأت متوترة ، و ثمرة مرة لتجربة لم تعط قوسها لباريها ، أهناك صاحب عقل يتجاسرعلى تأييد و تعضيد قرع الطبول التي تأذن بحرب ، و يتحرّف فيها الجميع لقتال ..؟ ويلح السؤال عن أسباب هذا الخلاف وإلى أين يمضي ..؟
هناك نقاط خلاف حول الدعم السريع بانت مطالعها منذ اليوم الأول عندما طرح الرئيس البشير فكرة تأسيس هذه القوات في أغسطس 2013 م عقب هجوم المتمردين من الحركة الشعبية شمال تساندها حركات دارفور علي مدينة أم روابة بشمال كردفان و محاولة قطع الطريق القومي في 27 ابريل 2013م .
عزم الرئيس عمرالبشير على إنشاء قوات خفيفة الحركة مساندة للجيش محددة المهام تنتهج إسلوب الحرب الخاطفة على طريقة الحركات المتمردة ، و كانت لديه الكثير من المبررات إستأنس فيها و إستحسن تجارب دولية معلومة في إنشاء مثل هذه القوات .
أبدت القوات المسلحة تحفظات واضحة و خاصة كبار الجنرالات فى هيئة الأركان المشتركة التي كان علي رأسها الفريق أول مصطفي عبيد ، تم إجمالها في نقطتين أساسيتين هما :
1/ أن الجيش خرج من تجربة مريرة يجب وضعها في الإعتبار متعلقة بقوات حرس الحدود التي أنشئت في 2003م لمواجهة التمرد في دارفور ، فلأسباب مختلفة و معقدة عمل الجيش علي تفكيك قوات حرس الحدود و دمجها في القوات المسلحة و تسريح الجزء الأكبر منها ، فمن الصعب إعادة نفس العناصر من النافذة العريضة بعد أن خرجوا عبر البوابة الرئيسة .
2/ طبيعة هذا النوع من القوات سيكون حملاً إضافياً ثقيلاً و خصماً علي القوات المسلحة التي تؤدي واجباتها دون تقصير، و ستتحمل القوات المسلحة أخطاء هذه القوات الجديدة لأنه ثبت بالتجربة السابقة أن هذا النوع من القوات لا يعمل وفق قواعد الإشتباك المعروفة و لا الضوابط العملياتية العسكرية اللازمة وأدي ذلك لتداعيات مقلقة في قضية دارفور و توالت تباعاتها . ( كانت تقارير الفريق البرهان في الاجتماعات العسكرية والامنية بشأن هذه التحفظات هى الأبرز وتم الإستناد عليها .)
مضي الرئيس البشير قدماً و تحت ذرائع مقنعة إلى تكوين هذه القوات ، وأستدعى الفريق أول عوض بن عوف من مقر عمله كسفير للسودان لدي سلطنة عمان ، لإقناع الشيخ موسي هلال الذي كان قد بدأ تململه و جهر بموافقه الغاضبة أو البحث عن قيادة بديلة له ، وبالفعل نجح بن عوف في الإتصال بمحمد حمدان دقلو وشقيقه عبد الرحيم لمعرفته بهما خلال العمليات العسكرية ضد التمرد في دارفور ، وتم الإتفاق معهما لقيام هذه القوة المقاتلة .
كانت هناك عقبة في تبعية هذه القوات للجيش ، بسبب موقف القوات المسلحة وكبار الجنرالات وتحذريهم من تكرار تجربة حرس الحدود ، و كان الخيار في المرحلة الأولي هو تهدئة للجيش ، و حلاً للخلاف تم تتبيع هذه القوات لهيئة العمليات بجهاز الأمن والمخابرات ، و لتطمين الجهات العسكرية و الأمنية أُسندت قيادة هذه القوات في ذلك الآوان للواء (م) عباس عبد العزيز الذي أُرجع للخدمة وأُلحق بجهاز الأمن و المخابرات ، و عُيّن محمد حمدان دقلو قائد ثان برتبة عميد و منح عبد الرحيم دقلو رتبة المقدم ثم رتبة العقيد . ، و طلب منهما تجنيد قوة من عدة ألاف كنواة لهذه القوات من دارفور .
بدأت قوات الدعم السريع عملها داخل جهاز الأمن و المخابرات ، و خاضت عملياتها تحت مظلته بالتنسيق و الإشراف المباشر من نائب رئيس الاركان للعمليات بالجيش ، فخلال الثلاث سنوات من 2013- 2016م كانت العمليات في جنوب كردفان و دارفور و معركة قوز دنقو أبريل 2015 وعمليات جبل مرة يتم ترتيبها وتنسيقها بالكامل بين قيادة جهاز الأمن والمخابرات و القوات المسلحة ، و نفس التدابير تمت في معركة وادي هور 2017 م .
ظلت القيادات العليا و الوسيطة داخل الدعم السريع توليفة من ضباط تم إنتدابهم من القوات المسلحة و جهاز الأمن والمخابرات ، بالإضافة إلى الضباط الذين يتم تعينهم مباشرة من عناصر الدعم السريع يختارهم محمد حمدان دقلو الذي تولي قيادة القوات بعد ذهاب اللواء عباس عبد العزيز .
و نتيجة لتوسع القوات بعد نجاحها في معارك قوز دنقو و وادي هور و محاصرة حركة عبد الواحد نور في أعالي جبل مرة و مهام أخري تتعلق بالهجرة غير الشرعية و ضبط الحدود مع ليبيا ، تغير منظور العلاقة مع جهاز الأمن ، لطبيعة هذه القوات و إحتياجاتها المستمرة للتسليح و الذخائر و المعدات ، و بجانب العمليات العسكرية التي يشرف علي إدارتها الجيش ، مع وجود حالات التوتر المتكررة بسبب حداثة هذه القوات بعمليات ( الضبط و الربط) و إحترام التراتيبة العسكرية و غيرها من الأسباب ، شعر جهاز الأمن بحجم العبء الكبير الملقي علي عاتقه ، فقرر الرئيس البشير تحويل الدعم السريع إلى القوات المسلحة كفصيل يتبع لها ، لكنها تأتمر بأمر القائد الأعلي للقوات المسلحة الذي هو رئيس الجمهورية ، و بذا أصبحت القوات و إحتياجاتها و ميزانيتها و مشاكلها تعالج لدي مكتب الرئيس .
في مارس 2015م بدأت حرب اليمن وإشترك السودان في عاصفة الحزم و أرسل قواته الي السعودية للدفاع عن المملكة العربية السعودية ولإعادة الشرعية لليمن ، و هنا فُتح باب واسع لقوات الدعم السريع للتحرك بشكل منفصل وعبر مكتب الرئيس البشير ، و بوجود الفريق طه عثمان نسجت قيادة الدعم السريع علاقاتها مع المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة ، وكانت هناك تحفظات من قيادة الجيش و جهاز الأمن و المخابرات أن يتم تنسيق المشاركة في حرب اليمن وعدم ترك العلاقة المفتوحة والمباشرة بين الدعم السريع والجانبين السعودي والإماراتي دون الإشراف المباشر للقوات المسلحة و تحت سمعها وبصرها ، بالطبع لم يحدث ذلك التنسيق . والشيء بالشيء يذكر فإن الفريق أول عبد الفتاح البرهان كان هو القائد المنسق لمشاركة القوات المسلحة السودان في عاصفة الحزم ، وحظي الدعم السريع بعلاقة خاصة وتعامل مباشر مع الرياض و أبو ظبي .
حصدت قوات الدعم السريع فوائد جمة من مشاركتها في حرب اليمن والعلاقة الإتصالية التي نسقها مدير مكتب الرئيس البشير في الخليج ، ثم جرت عملية مأسسة هذه القوات عند صدور قانون الدعم السريع و إجازته في المجلس الوطني 16 يناير سنة 2017 م ، وحدّد القانون مهامها وعرّفها بأنها قوات ( تتبع للقوات المسلحة و تأتمر بأمر القائد الأعلى ) ويعين رئيس الجمهورية قائد هذه القوات. .
إنتعشت ميزانية قوات الدعم السريع من عائدات حرب اليمن ومن الإستثمارات التي أُتيحت لقيادتها في مجال التعدين و مجالات أخري ، و كان الرئيس البشير هو الظهر و الدرع الذي حمي هذه القوات من أنواء الإنتقادات و التحفظات و الأسئلة المشروعة من القوات المسلحة و قيادات في الحزب الحاكم .
عندما حدث إنقلاب 11 أبريل 2019 م كانت قوات الدعم السريع ضمن المجموعة التي إنقلبت علي الرئيس البشير وخانته ، وهنا بدأ فصل جديد من الخلافات مع القوات المسلحة ، ولم يكن التنسيق والمشاركة في الإنقلاب علي البشير وما تلاه ، إلا هدوءاً سبق عاصفة الخلافات التي إستعرت من اليوم الأول علي ركام وخلفيات بدأت منذ 2013 م وتتجلي اليوم فصولها .
نواصل هذه الحلقات .