مع إنتهاء شهر أغسطس الماضي ، أكمل الصراع المسلح بين الحكومة الإثيوبية وجماعة “فانو” في إقليم أمهرة شمال إثيوبيا عامه الأول ، مخلفا أضرار لا تحصى، طالت المنشآت العامة والخاصة والمئات من القتلى في صفوف المدنيين والمسلحين وآلاف النازحين ولا تزال الأزمة تبارح مكانها ، لتشهد بعد عام كامل تصعيد عسكري واسع من قبل مليشيات الفانو ، بدأته قبل إسبوعين عندما أقدمت على السيطرة على مدينة المتمة في الحدود مع السودان . تصعيد جاء بعد أسبوع من إعلان حكومة إقليم أمهرة عن مبادرة أمنية وتنموية ضمن جهود الحكومة الفيدرالية لإنهاء الصراع الذي اندلع في أغسطس 2023 ، وإن كان المساعي الحكومية تنظر لها المعارضة المسلحة في إقليم أمهرة بأنها خطوة تمويهية وتتهم الحكومة الفيدرالية وحكومة الإقليم بالعمل على تحشيد والتجميع لخوض مواجهات واسعة ضدهم . وصراع إقليم أمهرة شمال إثيوبيا ، الذي أكمل عامه الأول ، شكل تحدي كبير للحكومة الفيدرالية التي يقودها حزب الإزدهار برئاسة آبي أحمد ، كونه يأتي ضمن أزمة سياسية وأمنية وتحديات إقتصادية، وتكمن خطورته بأن إقليم أمهرة يجاور 4 اقاليم بالبلاد ، فضلا عن وجود حدود له مع السودان الذي يعاني هو الآخر أزمة منذ أكثر من عام جراء الصراع بين الجيش السوداني ومليشيات الدعم السريع التي تصفها الحكومة السودانية بالمتمردة منذ منتصف إبريل العام 2023 .
تصعيد جديد
والأسبوع الماضي تصاعدت حدة المواجهات بين الجيش الإثيوبي ومليشيات الفانو في منطقة المتمة على الحدود مع السودان ، حيث لا تزال المناوشات تسيطر على الوضع وإن كان الجيش الإثيوبي إستعاد سيطرته على المدينة الإستراتيجية في وقت مبكر من مواجهات الإسبوع الماضي ، تصعيد فتح البابا أمام عديد السيناريوهات والمخاوف من إستمرار الصراع لعام آخر في ظل غياب أي أفق سياسي أو مبادرات سلام تحقن الدماء وتوقف التدهور الأمني والإنساني في إقليم الأمهرة ثاني أكبر أقاليم البلاد من حيث المساحة والسكان بعد إقليم أوروميا جنوب غربي البلاد .
الأسباب والمآلات
وحول أسباب الصراع والمآلات ، تحدث – موقع “أفريكان مترس” – الى الصحفي المهتم بقضايا القرن الأفريقي ، أحمد إبراهيم ، الذي وصف التصعيد الأخير بين الجيش الإثيوبي ومليشيات فانو بالخطير ، وقال إن تجدد المواجهات بين الجيش الإثيوبي ومليشيات الفانو في المناطق الحدودية مع السودان ، أمر بالغ الخطورة على الرغم من أنه كان متوقعا نتيجة للاحتقان الذي استمر طويلا، خاصة من قبل الفانو. وأضاف إبراهيم ، المقيم بأستراليا ، في إفادته لموقع “أفريكان مترس” ، أن المواجهات بين الجانبين لم تتوقف وإن قلت وتيرتها في بعض الأحيان ، موضحا أن المواجهة التصعيدية من قبل الحكومة المركزية كانت مؤجلة لانشغالات بحسم التمرد في غرب البلاد والان الخطر المحدق عبر حدود الصومال وهو ما يؤكد على التصعيد الجديد كان من جانب الفانو .
وتابع براهيم ، أن الصراع الذي مضى عليه عام كامل دون وجود أي أفق سياسي أو تحركات لمبادرات حل، يبدو أنه آخذ في التصعيد من جانب مليشيات الفانو التي ترى أن الحكومة تتجاهل مطالبهم ، وأضاف أن خطورة التصعيد هذه المرة تكمن في أنها تأتي على الحدود مع السودان وهي مناطق تعاني أصلا من هشاشة أمنية لذا سيكون لهذا التصعيد وإن قلت حدته خلال الإسبوع الماضي لكنها تحركات سيكون لها أثر على المنطقة .
أسباب اندلاع الصراع
والصراع بين الحكومة الفيدرالية ومليشيات الفانو المسلحة الذي يعود الى أبريل من العام 2023 ، جراء قرار الحكومة الإثيوبية تفكيك القوات الخاصة الإقليمية في البلاد ودمجها رسميًا في الجيش أو الشرطة أو قوات الشرطة الإقليمية ، الأمر الذي رفضته المعارضة السياسية لقومية الأمهرة وجناحها المسلح الفانو ، معتبرين القرار إستهداف لشعب الأمهرة الذي يواجه عمليات قتل وتهجير من قبل المعارضة المسلحة لقومية الأورومو بجانب المخاوف الغائبة الحاضرة من قومية التيغراي خاصة بعد أن قاتلت مليشيات الأمهرة الى جانب الجيش الإثيوبي والقوات الخاصة ضد جبهة تحرير تيغراي لأكثر من عامين في شمال البلاد .
تلك الأسباب وغيرها دفعت قوى المعارضة السياسية من قومية الأمهرة والمليشيات ، الى عمل حراك سياسي احتجاجات مطلبية لنحو شهرين تحولت الى تصعيد عسكري واشتباكات مع الجيش الإثيوبي في مناطق واسعة من الإقليم في أغسطس 2023، بعد أن هاجم الفانو في خطوة تصعيدية المدن الكبرى من خلال عمليات إغلاق الطرق إحتجاجات من الداخل . والفانو التي تخوض حرب مع الحكومة الإثيوبية في إقليم أمهرة اليوم ، هي جماعة مسلحة تتبنى الدفاع عن ما تقوله من المظالم طويلة الأمد لدى شعب أمهرة، تمتد جذورها إلى التهميش المنهجي المستمر منذ عقود، وتزعم الجماعة وظهيرها السياسي أيضا أن شعب أمهرة واجه عمليات قتل جماعي وتهجير في أجزاء مختلفة من البلاد، وهي حركة لا مركزية.
وتهدف الجماعة لحماية مصالح أمهرة من خلال العمل على تغيير ما تعتبره نظاما اجتماعيا سياسيا مناهضا لها، وقد قاتلت إلى جانب القوات الحكومية، وواجه عناصرها اتهامات بانتهاكات حقوق الإنسان خلال حرب تيغراي (2020-2022 ) . والتصعيد الذي انتهجته الفانو ، دفع الحكومة الفيدرالية الى إعلان حالة الطوارئ لمدة ستة أشهر ووضعت إقليم أمهرة تحت قيادة عسكرية مسؤولة أمام رئيس الوزراء ، برئاسة نائبه المنحدر من الإقليم امسقن طرونا ، ثم تمدد حالة الطوارئ مطلع فبراير 2024، لمدة أربعة أشهر أخرى انتهت هي الأخرى في يوليو الماضي .
تبعات الصراع
يرى المحلل السياسي الإثيوبي ، الذي فضل حجب إسمه ، أن الصراع الذي مضى عليه عام ، خلف أضرار واسعة على الأرواح والممتلكات في الإقليم ، وترتبت عليه العديد من التحديات وأحدث الكثير من الأضرار على مستوى واسع في الإقليم ، وقال لموقع “أفريكان مترس” ، إن صراع الحكومة والفانو يعد الأعنف وشهد العديد من عمليات القتل خارج القانون وهجمات وحشية في عدة مناطق من الإقليم دون أن يشير الى أي طرف بتورطه في الأعمال التي أشار إليها . يشار الى أن فبراير الماضي وقعت مجزرة في منطقة ميراوي بإقليم أمهرة ، وراح ضحيتها نحو 100 مواطن ، ووصفت بأنها الأعنف و الأكثر بشاعة حتى وإن لم تكن الأولى، والتي أدينت محليا ودوليا ، فضلا عن دعوات لإجراء تحقيق شفاف من قبل اللجنة الوطنية الإثيوبية لحقوق الإنسان والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي. وفي 23 أغسطس المنصرم ، حذر برنامج الغذاء العالمي ، من أن أزمة الغذاء المستمرة قد تتدهور أكثر بدون دعم عاجل خلال فترة ذروة الاحتياجات من يوليو إلى سبتمبر 2024 ، وقالت الوكالة إن 15.8 مليون شخص يحتاجون إلى مساعدات غذائية فورية، ويرجع ذلك أساسًا إلى الصراع والجفاف وانعدام الأمن في منطقتي أمهرة وأوروميا .
أبرز محطات الصراع
لم تكن عمليات التصعيد الأخيرة بين الفانو والجيش الإثيوبي التي شهدتها منطقة المتمة على الحدود مع السودان الإسبوع الماضي هي الأولى بين الجانبين وإن كانت الأخطر والأحدث ، فقد دأبت ميليشيات الفانو في التصعيد والتحرك في أكثر من محور ، وحاولت أكثر من مرة السيطرة على مدينة بحر دار حاضرة إقليم أمهرة ، وشهدت المدينة مطلع مارس الماضي ، أعمال عنف ومحاولة سيطرة ، بعد أن هاجمت قوى من الفانو المدينة عبر ثلاثة محاور.
واندلع قتال عنيف مع الجيش الأثيوبي في محاولة من الفانو للسيطرة على المواقع الاستراتيجية في المدينة ، تسبب في تعليق عمليات الطيران بين العاصمة أديس أبابا ومدينة بحر دار ، استمر لـ 3 أيام قبل أن تعيد الحكومة السيطرة على الوضع بالمدينة . وتزامنت المواجهات العسكرية التي عدت الثالثة من نوعها داخل الإقليم ، مع رفض مقاتلي الفانو ، لقاء السلطات الأثيوبية ومبدأ التفاوض وتسليم السلاح ، لكن في تطور لافت في الـ 13 من ابريل الماضي شهدت أديس أبابا ، مواجهات مسلحة وتبادل لأطلاق نار بين شرطة العاصمة وعناصر للـ “فانو” في منطقة بولي وسط العاصمة ، قتل جرائها ثلاثة أشخاص بينهم مدنيا ، وعنصرين من جماعة الفانو ، وفق بيان شرطة العاصمة أديس أبابا . وعد الحادث الأول من نوعه في العاصمة ، فيما اعتبرته الجماعة المسلحة ” الفانو ” خطوة أولى في نقل المواجهات داخل العاصمة ، وإن كان العملية لم تتكرر منذ ذلك الحين .
سيناريوهات متوقعة
يبدو أن الصراع الذي مضى عليه عام كامل سيستمر بوتيرة تصعيدية أكثر حدة ، وفق محللين ومراقبين ، ويتوقع المحلل السياسي الإثيوبي ، الذي فضل عدم ذكر إسمه لدواعي أمنية ، أن تزيد مليشيات الفانو من تصعيد عملياتها في أكثر من محور ، وقال إن مليشيات الفانو ستزيد من تحركاتها العسكرية خاصة في الحدود مع السودان مستغلة إنشغال الحكومة بأزمتها مع الصومال . ولم يذهب الصحفي أحمد إبراهيم ، بعيدا عن توقعات المحلل السياسي الإثيوبي ، وقال إبراهيم ، في تقديري ستضغط المليشيا بشكل كبير مستفيدة من انشغال الحكومة المركزية في جبهة الصومال .