لم تأتي الدعوة التي أطلقها الرئيس الأمريكي جو بايدن لطرفي الحرب السودانية بضرورة وقف الحرب والانخراط في المفاوضات، بردود فعل قوية أوساط السودانيين مثلما كان متوقع. ويعود ذلك بحسب مراقبين، لسببين: أولاهما ، أن دعوة الرئيس الأمريكي جاءت قُبيل انتهاء فترة رئاسته والدخول في مرحلة الانتخابات الأمريكية، وهو الأمر الذي ساهم في إظهار الدعوة وكأنها تأتي ضمن برنامج الحملة الانتخابية للحزب الديمقراطي الذي ينتمي له جو بايدن. والسبب الثاني يرتبط بحالة اليأس الذي ينتاب السودانيين من إمكانية أن يستجيب طرفي الصراع لأي نداءات تتعلق بجمعهما معاً في منبر تفاوضي واحد، بعدما فشلت كل الجهود الدولية والإقليمية من انعاش منبر جدة التفاوضي، وكذلك الفشل الأخير الذي صاحب منبر جنيف حينما غاب عنه وفد الجيش السوداني.
دعوة بايدن
وكان الرئيس الأمريكي جو بايدن قد دعا طرفي الصراع في السودان إلى العودة للانخراط في مفاوضات لإنهاء الحرب المستمرة ، ودعا جميع أطراف هذا الصراع إلى إنهاء هذا العنف والتوقف عن اذكائه من أجل مستقبل السودان وشعبه بأكمله، بعدما استمر ت الحرب بين الجيش السوداني و الدعم السريع لسبعة عشر شهراً دون أن تفلح كل المفاوضات من منبر جدة ومفاوضات جنيف في إيقاف الحرب، وبالرغم من فرض عقوبات أمريكية للمخالفين من طرفي الصراع . ويحتاج السودان في ظل الأزمة الإنسانية والصحية الراهنة التي تعاني منها البلاد إلى استجابة دولية منسقة وسريعة من أجل تقديم المساعدة اللازمة وتخفيف معاناة المتضررين ودعم النظام الصحي الذي تعرض لأضرار جسيمة. وكان بايدن قد دعا إلى تسهيل وصول المساعدات الإنسانية دون عوائق، وإعادة الانخراط في المفاوضات لإنهاء هذه الحرب. وأوضح بايدن أن هجمات الدعم السريع تلحق أضرارًا بشكل غير متناسب بالمدنيين السودانيين، مؤكدًا أن الولايات المتحدة ستواصل إجراء تقييمات بشأن المزيد من مزاعم الفظائع والعقوبات الإضافية المحتملة.
أغراض انتخابية
وينظر مراقبون إلى دعوة الرئيس الأمريكي بايدن، من فرضية ملتبسة بسبب اقتراب الانتخابات الأمريكية وارتباط ذلك بالمصالح الأمريكية من إيقاف الحرب . من جهته قال عضو اللجنة المركزية للحزب الشيوعي كمال كرار ان الولايات المتحدة وعلي لسان رئيسها ووزير خارجيتها ومبعوثها الخاص، تغاضت عن الاهتمام بالشأن السوداني والحرب لأكثر من عام واعتبرته شأنا داخلياً، وأكد كرار في تصريح لـ” أفريكان مترس” أن الاهتمام والتعاطف الذي اظهره بايدن مؤخراً يأتي لأغراض انتخابية كما يبدو. وأضاف كرار:” وتكثر الأقوال عن الحرب دون وجود للأفعال على الأرض، ورد فعل العالم عن ويلات الحرب والمجاعة ضعيف، يكاد لا يذكر، مضيفاً بأن اجتماع جنيف فشل في التوصل لوقف اطلاق النار ، ونوه إلى أنه ليس المطلوب الآن توصيف الحالة السودانية، بل كيفية الضغط علي طرفي الحرب من أجل إيقافها وهذه هي الحلقة المفقودة. وتابع :”الشعب السوداني يعرف أن الحل في الداخل، وأن اتساع جبهة المعارضين للحرب يؤدي في النهاية لوقفها، ولكن هذه المأساة أوضحت للسودانيين عموماً أن العالم لا يأبه بهم بقدر ما يأبه بتحقيق مصالحه التي تأتي في مقدمة اهتماماته.
قلق من التقارب الروسي
وبنظرة أخرى مغايرة لكثير من الزوايا التي تطرق لها كمال كرار، مضى الكاتب الصحفي والمحلل السياسي، كمبال عبدالواحد إلى تأكيد القول بأن :” الإدارة الأمريكية بعد مضي عام و نصف من الحرب في السودان، و في ظل تفاقم الأزمة الانسانية و تداعياتها التي القت بظلالها على السودان، و مع اقتراب الاستحقاق الانتخابي في الولايات المتحدة الأمريكية، يبحث الحزب الديمقراطي المرشح الأبرز عن اختراق في العلاقات الخارجية على صعيد الملفات الأكثر سخونة عالمياً، و السودان واحد من أبرز تلك الملفات و التي تخاطب فئة عرقية مهمة و مؤثرة في الشارع الأمريكي، و هي التي أشار إليها الرئيس الأمريكي جو بايدن عبر أهمية وقف الحرب في السودان و العودة إلى المسار السياسي التفاوضي من أجل انهاء معاناة السودانيين”. ومضى كمبال خلال حديثه لـ”أفريكان مترس” في الإشارة لعدة عوامل محيطة تدفع الإدارة الأمريكية للإمساك بقوة في إدارة ملف الأزمة السودانية، وقال كمبال:” مع تزايد التقارب الروسي السوداني و الذي سوف يعقد من الوصول إلى رؤية حل بمعايير البيت الأبيض قد تؤدي إلى استمرار الحرب في ظل التقاطعات الدولية و الحرب الأوكرانية”. وهو الأمر الذي اعتبره كمبال أحد أهم الدوافع التي تجعل الولايات المتحدة حريصة كل الحرص على إنهاء الحرب عبر الحلول التفاوضية التي تفضي إلى العودة للمسار المدني الديمقراطي. وفيما يتعلق بكثير من مخاوف السودانيين من حدوث تغيير في الموقف الأمريكي الراهن من الحرب السودانية في حال غادر جو بايدن أو حزبه رئاسة البيت الأبيض أعقاب الانتخابات الأمريكية المنتظرة، يقول كمبال:” في حال وصول المرشحة الديمقراطية هاريس لسدة الحكم و مغادرة بايدن قد يحدث تغيير طفيف من جهة آليات التعاطي مع الملف السوداني و استحداث عقوبات جديدة على طرفي الأزمة، في حال عدم الوصول إلى اتفاق على وقف النار، و قد تدعم الإدارة الجديدة في البيت الأبيض سيناريو التدخل الدولي بشكل مباشر من واقع استنفاد كافة أوراق الضغط المطلوبة، في حال تعنت أي طرف من الأطراف و بالتحديد الجيش لقطع الطريق أمام أي حلف جيوسياسي جديد في المنطقة”.
ويذكر أنه منذ 15 أبريل 2023، يستمر النزاع المسلح بين الجيش والدعم السريع”، الأمر الذي أدى إلى مقتل أكثر من 20 ألف شخص وتشريد أكثر من 10 ملايين آخرين، سواء من خلال النزوح داخل البلاد أو اللجوء خارجها، وفقًا لتقارير أممية.