خلقت الخطوة التي اقدمت عليها مؤسسة الرئاسة بدولة جنوب السودان بتمديد عمر الفترة الانتقالية لفترة عامين اخرين، ومن ثم تأجيل اجراء الانتخابات العام حتى ديسمبر من العام 2026 بعد ان كان من المقرر اجراؤها في نهاية العام الجاري ، ردود فعل متباينة في الشارع الجنوبسوداني مابين الرفض و التأييد، فالحكومة التي تبحث لنفسها عن شرعية عبر التمديد لم تضع في اعتباراتها تطلعات المواطنين المشروعة ومخاوفهم الخفية والمعلنة. ويوم الجمعة الماضية قالت الحكومة ان قرار التأجيل جاء بغرض التنفيذ الكامل للبنود العالقة من اتفاق السلام المنشط و الموقع بين الحكومة وأطراف معارضة بالعاصمة السودانية الخرطوم في العام 2018، وقال توت قلواك مانمي، مستشار رئيس الجمهورية للشئون الأمنية ، وعضو اللجنة الفنية المشتركة لتنفيذ بنود اتفاق السلام المنشط في تصريحات للصحفيين عقب انتهاء اجتماع مؤسسة الرئاسة :” الاتفاق على تمديد عمر الفترة الانتقالية لمدة عامين حتى تتمكن الاطراف من تنفيذ البنود العالقة من اتفاق السلام المنشط مثل التعداد السكاني ، اعداد الدستور، وتسجيل الأحزاب السياسية”.
من جانبه، قال وزير رئاسة مجلس الوزراء وعضو اللجنة الفنية المشتركة، مارتن إيليا لومورو ، في تصريحات لـ”افريكان مترس” أن تمديد الفترة الانتقالية جاء بناء على توصية من المؤسسات ذات الصلة مثل مفوضية الانتخابات ومجلس الأحزاب ومفوضية الدستور ، مشيراً إلى أن هناك حاجة لوقت إضافي حتى تتمكن الأطراف من تنفيذ البنود العالقة، وصولاً لإجراء الانتخابات العامة بنهاية الفترة الانتقالية. وأضاف لومورو بالقول :” خلال هذه الفترة ستستمر الحكومة في تسيير أعمالها دون أن يتم حلها كما تردد في بعض الأوساط ، وسنعمل من أجل استقطاب الدعم و التأييد للفترة الانتقالية الممدة”.
من جهته، عزى الأمين العام لحزب الحركة الشعبية الذي يتزعمه الرئيس سلفاكير ، وعضو اللجنة الفنية المشتركة، بيتر لام بوث، تأخير إقامة الانتخابات وتمديد الفترة الانتقالية إلى غياب التمويل اللازم لتنفيذ بنود الاتفاق المنشط. وقال بوث في تصريحات لـ”افريكان مترس” :” لقد أجبرنا على تمديد الفترة الانتقالية لأن وزارة المالية أخبرتنا بأنها لاتملك أي موارد مالية يمكن أن تدعم بها إقامة الانتخابات، نتيجة لتوقف إنتاج النفظ بسبب الحرب الدائرة في السودان حالياً، عليه رأينا أنه من الصعوبة إجراء العملية الانتخابية دون توفر التمويل اللازم، فنحن كحزب كان رأينا من البداية مع إجراء الانتخابات في ديسمبر من هذا العام ، لكن يبدو ذلك مستحيلاً في ظل العجز المالي الذي تعانيه الحكومة”.
من جانبها شككت لورنا ميركيجي ، الناشطة المدنية وسكرتير عام لبرنامج جنوب السودان لمراقبة الديمقراطية في جدوي الخطوة التي أقدمت عليها مؤسسة الرئاسة بتمديد عمر الفترة الانتقالية لعامين دون إجراء الانتخابات ، مبينة بأن الإجراء تم بشكل فوقي وأحادي دونما مشاورة الرأي العام في البلاد. وأضافت بقولها في تصريحات لـ”افريكان مترس” أن السؤال الرئيسي الذي نريد أن نتوجه به لأطراف اتفاقية السلام هو ، ماهي الضمانات التي تجعلهم ينفذون البنود العالقة من اتفاقية السلام خلال فترة التمديد الجديدة؟ ، هذه خطوة أحادية لاتمثل رأي المواطنين ولا تحقق لهم أي شئ غير زيادة معاناتهم”. هذا ويعتبر هذا هو التمديد الثالث للفترة الانتقالية بجنوب السودان التي بدأت في العام 2018 حيث لم تتمكن الأطراف الخمسة الموقعة على اتفاق السلام المنشط والتي تضم مجموعة الرئيس سلفاكير، المعارضة المسلحة بقيادة ريك مشار، تحالف الاحزاب السياسية، أحزاب البرنامج الوطني ، قوى المعارضة السلمية من تنفيذ البنود العالقة من اتفاق السلام خاصة الترتيبات الأمنية و إجراء التعداد السكاني في الوقت الذي نصت عليه الجداول الزمنية المخصصة للاتفاق.
وبدوره وجه دينق بول أرواي، رئيس تنظيم تحالف الشعب المعارض وغير المشارك في الحكومة انتقادات حادة لقرار مؤسسة الرئاسة القاضي بتمديد عمر الفترة الانتقالية لسنتين وتمديد الانتخابات العامة بالبلاد ،معتبرا ذلك خيانة للحق الديمقراطي للشعب ومحاولة من النخبة الحاكمة للاستفراد بالسلطة دون وجه حق، مطالبا الشارع الجنوبسوداني بالخروج في تظاهرات سلمية إحتجاجاً على تلك القرارات القاضية بتأجيل الاستحقاق الديمقراطي الأول في البلاد. وأضاف أرواي بالقول في تصريحات لـ”افريكان مترس” :” أطالب شعب جنوب السودان بالخروج في تظاهرات سلمية للاحتجاج على قرار التمديد وتأجيل الانتخابات، فلا يجب السماح للحكومة بالتلاعب بارادة الجماهير ومصادرة حقها الديمقراطي “.
وعلى الرغم من تمديد عمر الحكومة للمرة الثالثة من قبل الاطراف الموقعة على اتفاق السلام المنشط بجنوب السودان ، إلا أن مراقبون يرون أن الإجراء لم تصاحبه توضيحات عملية تحدد كيفية تنفيذ البنود العالقة و طريقة التمويل ، مثلما انه لم يخاطب المعاناة التي يعيشها المواطنين الذين باتوا ينظرون لقرار مؤسسة الرئاسة من واقع الاوضاع الاقتصادية المزرية التي تتطلب حلولا جذرية ومعالجات فورية، كما لم تتطرق الاطراف الى كيفية التعامل مع الجماعات المسلحة التي لازالت تحارب الحكومة في اطراف البلاد بحثا عن تسوية مرضية وحلول سياسية تعيد توحيد الجبهة الداخلية ، ففي ظل تلك الانقسامات و الهشاشة الامنية التي تعيشها البلاد تزاد المخاوف من امكانية انزلاق البلاد نحو اتون الفوضى و الاقتتال اذا استمرت الممارسة السياسية على ذات النهج القديم منذ توقيع اتفاق السلام المنشط في العام 2018، خاصة وان البلاد تعيش في حالة من العزلة الدولية وربما الاقليمية التي تجعل الاتفاق يعبر فقط عن النخبة الحاكمة.