بعد أن أعلنت السلطات الحكومية بدولة جنوب السودان عن توقيعها لاتفاق جديد مع الشركة الصينية للبترول لبناء خط أنابيب يقوم بنقل النفط الخام الخاص بها إلى ميناء جيبوتي كبديل للخط القديم الذي كان يمر عبر أراضي جارتها السودان إلى ميناء التصدير في بورتسودان، والذي دمرته الحرب الدائرة هناك بين الجيش و الدعم السريع منذ أبريل من العام المنصرم ، بدأت تلوح في الأفق أزمة جديدة بين البلدين حيث فهمت سلطات جنوب السودان أنها بدأت تتعرض للضغط و الابتزاز من الحكومة السودانية التي تريدها أن تقف إلى جانبها ودعمها في الحرب ضد قوات الدعم السريع التي تتهمها الحكومة بالتسبب في تدمير خط الأنابيب ، باعتبار أن النفط هو المورد الرئيسي الذي تعتمد عليه الخزينة في جنوب السودان الذي يعاني من انعدام الخيارات البديلة في الوقت الحالي وليس أمامه سوى الرضوخ لتلك الضغوط.
وكانت الخطوة المفاجئة بالنسبة لجنوب السودان هي الزيارة التي سجلها رئيس مجلس السيادة الانتقالي في السودان الفريق عبد الفتاح البرهان إلى جوبا في الأسبوع المنصرم ، ليعلن عن جاهزية بلاده لاستئناف ضخ بترول جنوب السودان عبر الأراضي السودانية، خلال الاسبوعين القادمين بعد أن تمت صيانة خط الأنابيب الذي كانت أجزاء منه قد تعرضت للتف بسبب القصف ، في تبدل سريع للموقف السوداني الذي بدأ يتلمس جدية جنوب السودان ورغبته في الفكاك من ربط مصيره ومصلحته بالجانب السوداني الذي ظل يستخدم قضية مرور نفطه الخام عبر أراضيه كواحدة من كروت الضغط و الابتزاز السياسي باستمرار، وكمحاولة أخيرة لإثناء جوبا عن المضي قدماً في تنفيذ فكرة مشروع خط أنابيب جيبوتي البديل و الذي لم يعد مناورة كما كانت تعتقد الكثير من الأوساط.
وبعد أقل من يومين من زيارة رئيس مجلس السيادة السوداني عبد الفتاح البرهان ، وصل إلى دولة جنوب السودان في زيارة خاطفة ، وزير الخارجية الجيبوتي محمد على يوسف إلتقى خلالها الرئيس سلفاكير ميارديت، حيث ناقش معه مقترح تطوير الخط النفطي الجديد لجنوب السودان الذي يمر عبر دولة إثيوبيا وصولاً لميناء جيبوتي.
وقال يوسف في تصريحات للصحفيين في أعقاب الزيارة :”أن بناء خط أنابيب بديل لنفط جنوب السودان سيساهم في تحسين الاوضاع الاقتصادية في البلدين ، كما سيقود الى تعزيز التعاون المشترك وتوفير بدائل للطاقة، مشيرا الى ان الاتفاق الاخير مع السودان على استئناف ضخ بترول جنوب السودان لن يعطل مشروع خط انابيب جيبوتي، فوجود أكثر من خيار هو أمر جيد دائما.
وتأتي الخطوة التي اقدمت عليها سلطات جنوب السودان لبناء خط انابيب جديد و التخلي عن فكرة نقل نفطها الخام عبر السودان ، بعد تلقيها لرسالة من وزارة النفط السودانية في 28 مارس المنصرم تقول فيها ، إنها تواجه مشكلات في عمليات نقل نفط دولة جنوب السودان عبر خطوط أنابيبها في الجبلين وبورتسودان، بسبب القتال الدائر بين الجيش وقوات الدعم السريع، مشيرة الى ان حلّ هذه المشاكل معقّد نظرا لظروف الحرب الراهنة، وبناء عليه اعلنت حكومة السودان حالة القوّة القاهرة التي تحول دون إيفائها بواجب تسليم النفط الخام عبر خطّ الأنابيب في بورتسودان.
وقال المهندس دينق لوال، مدير عام وزارة البترول بجنوب السودان ان مشروع خط الانابيب البديل لجنوب السودان ، والذي يمر عبر دولة اثيوبيا وصولا لميناء التصدير في جيبوتي هو خطوة عملية اقدمت عليها جوبا نتيجة للمخاطر و الاضرار الاقتصادية التي تعرضت لها بسبب الحرب الدائرة الآن في السودان، مثلما ان المشروع سيساهم في خلق فرص جديدة للتعاون مع دول القرن الافريقي في كافة المجالات التنموية الاخرى.
وأضاف لوال في تصريحات لـ”أفريكان مترس” :” لا توجد أي مناورة في هذا المشروع ، على السودان التفكير حاليا في وقف الحرب بمساعدة جنوب السودان، فهناك صعوبة عملية في مواصلة تصدير النفط الى ميناء بورتسودان طالما كان خط الانابيب معرض للاستهداف بسبب استمرار الاقتتال، ونحن لانستطيع الانتظار في ظل توفر بدائل أخرى وممكنة
وكانت سلطات جنوب السودان قد قامت في العام 2022 بشراء قطعة ارض في إحدى شوااطئ دولة جيبوتي لتكون بمثابة ميناء جاف تستخدمه لتصدير نفطها الخام للأسواق العالمية ،ولإستيراد السلع و المواد الاستهلاكية الأخرى .
وبحسب المحلل الاقتصادي إبراهام مامير ، فان الاعتماد على ميناء جيبوتي سيوفر لجنوب السودان منفذا بحريا لتصدير نفطه باقل التكاليف مقارنة بالاعتماد على ميناء بورتسودان.
وأضاف بالقول في تصريحات لـ”افريكان مترس” :” أن مشروع التصدير عبر ميناء جيبوتي سيقلل كثيرا من التكاليف الاقتصادية التي كنا نواجهها خلال الاعتماد على التصدير عبر السودان ، وأن جنوب السودان سيحقق مكاسب كبيرة عبر هذا المشروع الذي سينعش ولايات أعالي النيل المتاخمة لاثيوبيا و سيخلق أمامها فرص جديدة للاستثمار في مجالات التصدير و الاستيراد، وسيقلل من الضغط السياسي الذي تمارسه السودان علينا كل مرة”.