قادت الحرب التي تشهدها العديد من أجزاء السودان بين قوات الجيش و الدعم السريع إلى تأثيرات كبيرة و بالغة على حياة الناس العاديين في جميع أرجاء البلاد خاصة في الجوانب الاقتصادية و المعيشية بعد أن تم تدمير البنية التحتية المتمثلة في المصانع التي تنتج المواد الغذائية و تعطل العمل الزراعي في كثير من المناطق نتيجة لاعمال العنف، ومن ثم توقف قدرة الناس على مواصلة حياتهم العادية نتيجة لغياب الانتاج وانعدام فرص العمل ، مما قاد الكثيرين للجوء لتجارة الحدود لسد حاجة السوق المحلي و البحث عن مصادر رزق جديدة ، وكانت دولة جنوب السودان هي الوجهة الجديدة التي قصدها الكثير من السودانيين للتجارة ونقل البضائع الى داخل الحدود السودانية عبر عدد من المعابر و المنافذ.
في جنوب السودان ، تأثرت حركة التجارة بين البلدين بالحرب الدائرة في السودان بدرجة كبيرة، بسبب اعتماد العديد من الولايات الحدودية المتاخمة للسودان على البضائع التي تردها من شمال السودان، وخاصة المواد الغذائية، مواد البناء، الادوية و الوقود، وذلك لابتعاد تلك الولايات عن العاصمة جوبا ورداءة الطرق التي تنقطع تماما خلال فصل الخريف الشئ الذي يفاقم من معاناة المواطنين في مناطق “ولاية اعالي النيل ، ولاية الوحدة ، عرب بحر الغزال ، شمال بحر الغزال ، منطقة ابيي وولاية واراب.
سوق “أمييت/النعام”
يعتبر واحدة من الاسواق المهمة التي تقع داخل منطقة ابيي المتنازع عليها بين البلدين ، واحدة من المنافذ التجارية الهامة التي تمثل وجهة رئيسية لحركة التجارة بين السودان وجنوب السودان ، وهو متعارف عليه باسم سوق السلام بين مجموعتي دينكا نقوك و المسيرية في حدود غرب وجنوب كردفان، حيث اصبح المقصد الرئيسي للتجار بعد الحرب التي حولت العملية التجارية وحركة البضائع.
يقول فضل الله ادم حمودة ، رئيس الغرفة التجارية بامييت لـ”افريكان مترس” :” هذا سوق قديم للتجارة بين السودان وجنوب السودان ، لكنه تحول بعد الحرب الاخيرة في السودان الى سوق لنقل البضائع من جنوب السودان الى السودان ، خاصة المواد الغذائية مثل السكر و الدقيق و البقوليات و الزيوت و الوقود في بعض الاحيان ، حيث اصبحت الواردات التي تصل من الشمال قليلة جدا بسبب الحرب “.
وبالنسبة لجيمس مشار وهو احد التجار المحليين الذين يعملون في مجال نقل البضائع من جوبا الى “أمييت” ، فهو يرى بان هناك ارتفاع كبير في الطلب على المواد الغذائية التي تذهب الى اسواق الضعين و الابيض و من ثم الى بقية انحاء السودان الاخرى ، مبينا بان “بضاعة الجنوب” اصبحت تجد رواجا كبيرا بسبب الحرب في السودان.
واضاف بالقول في تصريحات لـ”افريكان مترس” :” أنا بدأت التجارة بعد الحرب التي تشهدها السودان ، فقد كان أصدقائي السودانيين يقولون لي ان السوق مكشوف في أمييت بسبب الحرب ، فبدأت في شحن كمية من الدقيق و الزيت و السكر الى “أمييت” ومن ثم انتقلت الى “قوقمشار” في شمال بحر الغزال، انها تجارة مربحة لان البضائع يتم اخذها بواسطة تجار الجملة السودانيين مباشرة ، ومن هناك نقوم بشحن اي بضاعة واردة من السودان خاصة البصل و الذرة و الفول السوداني”. وأبان مشار انهم في كثير من الاحوال يواجهون مشكلة في تبديل العملة ، لكنهم يستعينون بزملائهم الذين يملكون حسابات بنكك أو يقايضون بضاعتهم مع وارد السودان ، مبينا بانهم يحتاجون لمبالغ نقدية لدفع الضرائب و الايجارات في الطريق. وفي معبر جودة الجنوبي بولاية اعالي النيل ، تبدو حركة التجارة مع ولايات النيل الازرق وسنار سلسة في انسيابها، لكنها تواجه عثرات وتحديات كبيرة خلال فترة الحرب الاخيرة بالسودان ، باعتبار ان التنافس التجاري كبير بسبب ان اعتماد مناطق الرنك ،فلوج وملوط كان في السابق على البضائع الواردة من شمال السودان ، بسبب عدم وجود طريق رابط بينها و العاصمة جوبا المورد الرئيسي للبضائع القادمة من شرق افريقيا. يقول دينق شول فدييت ، أحد التجار الناشطين على معبر جودة بجنوب السودان في تصريحات لـ”افريكان مترس” :” قبل حرب السودان كنا نعتمد بشكل رئيسي على البضائع الواردة من السودان خاصة المواد الغذائية ، الأدوية ، الوقود ، مواد البناء وغيره من الضروريات، لم نكن نعتمد على بضائع جوبا بأي حال من الاحوال ، صحيح كانت التجارة تتم عبر التهريب لكنها كانت اقرب الينا من حيث التكاليف ، حاليا ننتظر تجار جوبا الذين ينقلون بضائعهم بالطيران أو النقل النهري ومن ثم نقوم بأخذها الى جودة الشمالية حيث اجراءات الجمارك والتخليص، اغلب البضائع التي نتاجر بها مع الشمال هي الدقيق ، الارز، زيت الطعام ، البقوليات ، الادوية ، نواجه مشكلات في الضرائب المزدوجة من حكومة الولاية و الحكومة الاتحادية الى جانب الجمارك و المعالجات الاخرى”. وبالنسبة لبيتر معليش من الغرفة التجارية بجوبا ، فهو يرى أن هناك انتعاشا في التجارة الحدودية مع السودان يبدو واضحا في سوق كونجو كونجو بالعاصمة جوبا الذي اصبح قبلة رئيسية للتجار السودانيين حيث نرى عدد من العربات المحملة في طريقها الى الحدود. ويضيف بالقول في تصريحات لـ”افريكان مترس” : ” التجارة مع الشمال تسير بصورة جيدة ، لكن هناك شكاوى من رداءة الطرق ، وانعدام الامن في مسار النقل النهري ، والضرائب المتعددة التي تفرضها الولايات على الشاحنات المحملة بالبضائع، نتمنى ان تتم معالجة الأمر ورفع أي قيود مفروضة على حركة التجارة المتجهة الى السودان الذي يعاني من الحرب”.