تحديات جديدة تخوضها الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي في إثيوبيا التي قادت المشهد السياسي بالبلاد لنحو 3 عقود ، من خلال الجبهة الثورية الديمقراطية لشعوب إثيوبيا ، ” الائتلاف السابق” ، أسقطتها ثورة شعبية العام 2018 ، قبل أن تدخل في إتون صراع مسلح مع الحكومة الفيدرالية في أديس أبابا انتهت باتفاق سلام برعاية الإتحاد الأفريقي أواخر العام 2022 ، لتدخل في تحدي جديد تمثل في انشقاقات داخلية بين قيادتها يعد الأصعب في مسيرة الحركة التي تحتفل بعامها الخمسون .
تيغراي التأسيس
والجبهة الشعبية لتحرير تيغراي التي انطلقت مسيرتها الثورية في العام 1975 ، توجت بإسقاط نظام منقيستو هايلي ماريام في العام 1991 ، وقادت المشهد السياسي في إثيوبيا خلال تصدرها قيادة الائتلاف الحكومي السابق (1991–2018)، بزعامة الراحل ملس زناوي الذي ظل رئيسا للجبهة منذ توليها السلطة حتى وفاته في أغسطس 2012.
لكن الجبهة التي عرفت بقوتها وبأسها خلال فترة حكمها ، تراجعت بعد رحيل زعيمها ، ودب إليها الفساد الإداري والضعف السياسي ، مما أشعل الشارع الإثيوبي حتى خرجت عليها ثورة شبابية تصدرها الأورومو والأمهرة ، لنحو ثلاث سنوات قبل أن يطيح بها في العام 2018 ، وتبدأ مرحلة جديدة بقيادة آبي أحمد ، الذي ينحدر من قومية الأورومو ، وفق مطالب المتظاهرين آنذاك بأن يتولى رئاسة الوزراء شخصية من الأورومو .
صراع الجبهة وآبي أحمد
بعد مضي أشهر من تولي آبي أحمد رئاسة الوزراء ، دخلت قيادة الجبهة في خلافات سياسية مع آبي أحمد ، الذي بدأ بإصلاحات سياسية وإقتصادية طالت العديد من القيادات السياسية في فترة حكم التيغراي ، الأمر الذي عدته جبهة تيغراي إستهداف لها وتجريف فترة حكمها ، واعترضت على كثير من القرارات ورفضت تسليم المطلوبين من القيادات التي طالتها الإتهامات في الفساد الاقتصادي والتجاوزات السياسية . وتصاعدت حدة الخلافات بين قيادة جبهة تيغراي وآبي أحمد ، بعد إعلان الأخير تأجيل الإنتخابات الإثيوبية التي كان مزمع عقدها في 2020 ، متعللا بوباء كورونا آنذاك ، فيما عدته جبهة تيغراي خرقا للدستور وأعلنت من طرفها إجراء إنتخابات في إقليمها ” التيغراي ” ، خطوة رفضتها حكومة آبي أحمد ، واعتبرت انتخابات الإقليم لاغية وغير معترف بها وعمدت على محاصرة حكومة الإقليم سياسيا ودستوريا وإقتصاديا .
مواجهة سياسية و عسكرية
وتحولت التجاذبات السياسية والمغالطات الدستورية بين الحكومة الفيدرالية بقيادة آبي أحمد ، وجبهة تحرير تيغراي بزعامة دبري صيون ، إلى مواجهات عسكرية لنحو عامين، نتج عنها دمار كبير بإقليم تيغراي شمال إثيوبيا ومناطق واسعة من إقليمي أمهرة وعفار ، خسائر دفعت الإتحاد الأفريقي الى التوسط وأفلح في توقيع اتفاق سلام بين الجبهة وحكومة أديس أبابا في 2022 لا تزال بعض بنوده عالقة ، وإن نجح في إيقاف دائم لأصوات البنادق بالإقليم . وعلى الرغم من إتفاق السلام الموقع بالإقليم بين الحكومة الفيدرالية وجبهة تيغراي قبل عامين ، تواجه الأخيرة تحديات تعد الأخطر جراء تصاعد الخلاف بين قيادات الجبهة التي ظلت تتصدر المشهد في الإقليم منذ نشأتها في العام 1975 ، خلافات داخلية تتزامن مع تحديات قانونية بين حزب الجبهة الباحثة عن إعادة شرعية ومجلس الانتخابات الذي قرر تسجيلها بوصفها حزبا جديدا ، ما ينذر بزعزعة استقرار البلاد والإقليم الذي لم يمضي على تعافيه سوى عامين.
وكان مجلس الانتخابات الإثيوبي ، اعلن قبوله طلب إعادة جبهة تيغراي حزبا جديدا، وهو ما رفضته الأخيرة بحجة أنه يتعارض مع اتفاق بريتوريا للسلام، واعتبرته غير مناسب، وذهبت إلى عقد مؤتمر يتحدّى مجلس الانتخابات، الأمر الذي فجر الصراع بينها وبين الحكومة وأحدث انشقاقا داخل الجبهة نفسها.
وقال المجلس في بيان، أطلع عليه موقع “أفريكان مترس” ، إنه إستند إلى قانون الانتخابات وتسجيل الأحزاب السياسية الإثيوبية وتعديلاته، وبعد فحص خطابا تلقاه من جبهة تيغراي في 26 من يوليو 2023، للحصول على صفتها القانونية، قرر المجلس تسجيل الجبهة حزبا سياسيا مع “اعتبارات خاصة”.
يقول مجلس الانتخابات الإثيوبي، أنه وبعد فحص خطابا تلقاه من جبهة تيغراي في 26 من يوليو 2023، للحصول على صفتها القانونية، قرر المجلس تسجيل الجبهة حزبا سياسيا مع “اعتبارات خاصة”. وتم منح الجبهة شهادة الشخصية القانونية بوصفها حزبا سياسيا جديدا، رافضا طلبها بإعادة وضعها القانوني قبل الحرب، وهو ما أكدته الحكومة الفدرالية بأن مشكلة تسجيل حزب جبهة تيغراي تم حلها، وأن مجلس الانتخابات عالج هذه القضية بشكل مناسب. ويقول الصحفي والباحث الإثيوبي أنور إبراهيم ، إن التحركات داخل جبهة تحرير تيغراي والتي تتعلق بالانقسامات ليست بجديدة وعرفت الجبهة بالأنقسامات الداخلية منذ أوائل مراحل التأسيس بسبب المبادئ والتوجيهات التي تصدر من الحزب من وقت لأخر وخاصة أبان فترة رئيس الوزراء الراحل ملس زيناوي
وأوضح إبراهيم ، لموقع “أفريكان مترس” ، أن التحركات ظهرت مؤخرا بصورة مكثفة وخاصة عقب المؤتمر العام الـ 14 والذي أدي لأنقسام بين جناحين أحدهما بقيادة قيتاجو ردا رئيس حكومة الإقليم المؤقتة وأخري بقيادة رئيس الحزب دبر صيون ، وهناك تبادل وتراشق بسبب اتهامات متبادلة حول أبرام أتفاق بريتوريا وبنوده ، مشيرا الى أن هناك إتهامات بأن الحكومة كان لها دور في تلك التحركات وخاصة جناح قيتاجو متهم بأنه يوالي حكومة آبي أحمد “الأزدهار”, ولم يستبعد الصحفي الإثيوبي ، ان يكون لهذه الصراعات دور في ظهور تيار ثالث يعمل لمعالجة مشكلة الإقليم وقد لعب دور خلال الحرب ، وأضاف أن الجناح العسكري من القيادات السابقة ربما قد يكون له دور بأبعاد الطرفين علي السلطة وكسب الشارع في تيغراي من خلال في سبيل إيجاد حل للأزمة الراهنة بالحزب .
وأضاف ليس من المستبعد أن يكون لهذه التطورات أبعاد أخري في حال تحركت حكومة أديس أبابا مع أحد الأطراف .
لكن آخرون من المراقبين يرون ، أن الخلافات عميقة بين التيارين المتصارعين ومن الصعب أن تجد حلول سريعة من داخل التنظيم المنقسم على نفسه ، ويبدو الشرخ واضحا من خلال التعامل مع آلية استرداد شرعية الحزب وكيف تتم هذه العملية”، كما أن الظروف التي أنفجرت فيها الخلافات بين القادة في حزب جبهة تيغراي هي ظرف بالغ الحساسية تغيب فيه شخصية “كاريزمية” ومحورية تجمع شتات هذه الحزب مثل زعيمه الراحل مليس زيناوي.
ويرجع الكثير من المراقبين ، الصراعات التي تشهدها الجبهة إلى خلافات ومطامع داخل قيادتها ، وأن الخلاف في جوهره صراع على من هو صاحب الكلمة الفصل في تقرير مسار ومصير إقليم تيغراي، سواء على مستوى ترتيبات الإدارة الداخلية أو في ما يتعلق بالعلاقة مع السلطة الفدرالية.
المؤتمر.. خلافات داخلية
وفي خطوة عدت مخالفة قانونية وتصعيد مع الحكومة الفيدرالية ، قرر حزب جبهة تيغراي عقد مؤتمره الـ14 بمدينة مقلي حاضرة إقليم تيغراي، وسط غياب قيادات بارزة من اللجنة المركزية، بينهم رئيس الإدارة المؤقتة للإقليم نائب رئيس الجبهة غيتاشيو رضا، فيما أعتبر آخرون انعقاد المؤتمر تسبب في انفجار الخلافات داخل الحزب العجوز الذي مضى على تأسيسه 50 عاما .
والخطوة التي جرت في الـ 14 من أغسطس الماضي ، رفضها مجلس الانتخابات الإثيوبي ، وأعلن عدم اعترافه بالجمعية العامة للجبهة وأي قرارات تم اتخاذها خلال المؤتمر ، ورفضتها أيضا المجموعة المقاطعة للمؤتمر. يشار الى أن 14 عضوا في اللجنة المركزية لجبهة تيغراي (من بين 55 عضوا)، أصدروا بيانا قبيل إنعقاد مؤتمر الجبهة ، أعلنوا فيه أنهم لن يشاركوا في المؤتمر، وحمّلوا الفصيل المنظم للمؤتمر مسؤولية أي عواقب ، وارتفعت وتيرة المخاوف بعد تحذيرات وزير الاتصال الحكومي ليجيسي تولو من أن عقد الجبهة للمؤتمر “يهدد السلام الهش الذي تمكن شعب تيغراي من تحقيقه”، وفق بيان.
مخرجات المؤتمر
لعل أبرز مخرجات المؤتمر الذي أعتبرته الحكومة غير قانوني وقاطعته قيادات بارزة بحزب جبهة تيغراي ، أنها قررت تجميد عضوية الأعضاء المتغيبين ، قبل أن تعلن فصلهم في قرار لاحق صدر قبل إسبوع . وفي تصعيد خطير ، اعلنت اللجنة المركزية لجبهة تيغراي ، فصل الرئيس المؤقت لحكومة إقليم تيغراي غيتا تشو رد ا و 15 آخرين من عضوية الجبهة ، ونص القرار على أنه لا يحق لهؤلاء المفصولين بممارسة أي نشاط بإسم الجبهة . وجاء قرار الفصل في بيان صدر الـ 16 من سبتمبر الجاري ،عقب اجتماع اللجنة المركزية للجبهة بقيادة دبري صيون ، واتهمت اللجنة المركزية غيتاتشور والمجموعة المفصولة بالعمل على تقويض الجبهة من الداخل وتفتيت وحدة شعب تيغراي ، فضلا عن إتهامات بالفساد واستخدام اموال من الخارج لتحقيق أهدافهم المذكورة أعلاه .
ومن غير المعروف تداعيات هذا القرار في استقرار الاقليم الذي لا يزال يعاني من تبعات الحرب السابقة بين الجبهة التي انقسمت على نفسها والحكومة الفيدرالية التي تتهمها الجبهة بالعمل الى جانب جناح رئيس الحكومة المؤقتة في الإقليم قيتاجو ردا .
وبعد يومين من قرارات اللجنة المركزية للجبهة بقيادة دبري صيون ، وجه فصيل قيتاجو ردا رئيس الإدارة المؤقتة لإقليم تيغراي ، اتهام للمجموعة التي يقودها ديبري صيون بـ”التخطيط لانقلاب” ضد الإدارة المؤقتة لاقليم تيغراي. وفي بيان، زعم فصيل قيتاجو أن “المجموعة التي ليس لها صفة قانونية لا يمكنها اتخاذ أي إجراء ضد أي مؤسسة في الاقليم”، وأوضح البيان أن شعب وأعضاء الحزب يجب أن يتحدوا ضد هذا الفصيل المدمر الذي جلب الكارثة مرارًا وتكرارًا إلى الاقليم في سعيه إلى السلطة” ، في إشارة منه الى فصيل دبري صيون .
فيما لم يشر البيان إلى القرارات التي أصدرها فصيل زعيم الجبهة في حق رئيس الإدارة المؤقتة في الاقليم و15 آخرين ، وإن كان المراقبين والباحثين فسروا البيان بأنه رد على قرارات اللجنة المركزية للجبهة التي يقودها دبري صيون. ويتوقع أن يكون للأزمة التي يواجها الحزب احتمالات، الى جانب الإنشقاق الواضح داخل التنظيم ، حدوث حالة من اضطراب الاستقرار السياسي والأمني في الإقليم جراء تصاعد الصراع بين الطرفين.